الأهداف

يقدم النموذج 2 بعض الأدوات المتوفرة في الاتصالات في حالات الطوارئ والكوارث. وهو يتناول الشبكات العمومية، وخصائصها، وما ينطوي عليه استعمالها من آثار على التشغيل، وكذلك المعوقات الممكنة لتطبيقها في مختلف مراحل حالات الطوارئ والكوارث.

1.2       مقدمة: استعمال ما هو متيسر

وضعنا في النموذج 1 مبدأ استعمال ما هو متيسر. ولاتّباع هذا المبدأ، سنقوم باستعراض الاحتياجات فضلاً عن الأدوات. وهناك سبل مختلفة لتصنيف تجهيزات وشبكات الاتصالات: بحسب المدى، أو بحسب التكنولوجيا أو بحسب التطبيق بل وفقاً للإمكانات المالية. وتحدد كل هذه الجوانب مدى فائدتها خلال مختلف المراحل ووفقاً لمختلف الأطراف الفاعلة في الاستعداد للحالات الطارئة والاستجابة لها. وأضافت التطورات الجديدة في التكنولوجيا أبعاداً جديدة حتى بالنسبة للوسائل التقليدية للاتصال وأضفت عليها أدواراً متعددة. وأصبحت معالجة المعلومات التي تنقلها الاتصالات أكثر فأكثر تعقيداً. وبناء على ذلك، سنقوم أولاً بدراسة خصائص شبكات الاتصالات القائمة، بعدئذ سنقوم بدراسة مدى ملاءمتها لمختلف المهام التي يتعين القيام بها في إطار الاستعداد لحالات الطوارئ والكوارث والاستجابة لها.

2.2       الشبكات العمومية

الشبكة العمومية خدمة يقدمها مورد الخدمة للجمهور. وتشغيل شبكة عمومية يُعتبر بمثابة نشاط تجاري. وفي الماضي، كانت الحكومات تقوم بتشغيل الشبكات العمومية. وفي الآونة الأخيرة تم الاستعاضة عن الاحتكار الحكومي في معظم البلدان بنظام التراخيص، ونقلت مسؤولية تشغيل هذه الشبكات إلى منشآت خاصة مع الإبقاء على الإشراف الحكومي. وتتطلب أهمية الشبكات العمومية بالنسبة للمجتمع والحاجة إلى التشغيل البيني بين الشبكات على المستوى الوطني فضلاً عن المستوى الدولي مراقبة شاملة من جانب سلطة مركزية عادة ما تكون وطنية.

والبنية التحتية للشبكات العمومية تُعتبر قابلة للتأثر. وفي حالات كثيرة تكون العناصر الرئيسية لأكثر من شبكة للاتصالات مركّبة في نفس الموقع، بحيث إذا وقع حادث في موقع واحد يمكن أن يترتب على ذلك اختلال آني في مختلف الشبكات. [المثال 2.2..أ]

تسمح شبكات الهاتف التي لا تنقل الصوت فحسب، بل أيضاً مختلف أنساق البيانات مثل الفاكس أو الرسائل النصية، للجمهور بالنفاذ إلى الشبكات الأخرى مثل الإنترنت، وهي الشبكات العمومية الأكثر انتشاراً. وهي تشمل الخدمات الثابتة فضلاً عن الخدمات المتنقلة.

شبكة الهاتف الثابت التقليدية هي الأولى التي تخطر بالبال، عندما تكون هناك حاجة إلى إرسال رسالة عاجلة. وهي الأداة الشائعة لإنذار مقدمي خدمات الإذاعة. وقد عززت التكنولوجيا المتقدمة دورها وسمحت لها بأن ترسل بطريقة سريعة وكفؤة نداءات الاستغاثة الملائمة إلى خدمة الطوارئ المركزية (يمكن الاتصال بها بمراقمة الرقم 911 في الولايات المتحدة والرقم 112 في معظم أنحاء أوروبا). وتسهل القدرة على تحديد هوية الطالب إرسال المساعدة. ومن المتوقع أن تكون شبكة الهاتف العمومية متاحة طالما لا يحول الأثر المادي الممكن لحدث معين النفاذ إلى الهاتف أو لا يترتب عليه اختلال في البنية التحتية للشبكة.

وبعيداً عن استعمالها كأداة للإنذار في حالات الطوارئ، تتناقص قيمة شبكة الهاتف العمومية بسرعة. وفي مستهل أي كارثة، سيؤدي تحميل الشبكة ما يفوق طاقتها إلى جعلها غير متيسرة حتى في الحالات التي لا يلحق فيها الأثر المادي الفعلي أضراراً بالشبكة الكبلية أو يدمرها. ومن طبيعة شبكة الهاتف أن يؤدي كل نداء إلى تدخل عدد من التركيبات لإنشاء وصلة بين نقطتين. وإذا تعطل أحد هذه العناصر أو تم تحميله ما يفوق طاقته، سيؤدي ذلك إلى اختلال واسع النطاق في الحركة [الشكل التوضيحي 1.2]

والأرجح أن يؤثر تابعين أو أجزاء العديد من التركيبات الهاتفية ذات الخط الثابت في استعمال النظام في حالات الطوارئ أو في حالات الكوارث.

ولن تعمل معظم "الهواتف اللاسلكية" التي توفر إمكانية التنقل ضمن مدى قصير جداً، الموجودة عادة داخل مبنى معين أو على مقربة مباشرة منه، في حالة انقطاع الكهرباء. ويعمل جهاز اليد بالبطاريات، وعادة ما تعتمد المحطة القاعدة (الموصولة بخط الهاتف) على الطاقة التي تولدها خطوط الكهرباء.

والبدالة الخاصة الأوتوماتية PBX سمة شائعة في العديد من المكاتب. وعند تعطل خطوط الكهرباء، لن تعمل تمديدات الشبكة الداخلية، ما لم يتم تركيب مصدر احتياطي للطاقة، مثل المراكم التي تجرى صيانتها على النحو الملائم ويعاد شحنها باستمرار. وينبغي أن يتم توصيل هاتف واحد على الأقل بصورة دائمة بخط هاتف ثابت وذلك دون المرور عبر البدالة الخاصة الأوتوماتية PBX، وينبغي على كل فرد أن يعرف مكانه؛ وفي حالة انقطاع الكهرباء محلياً دون حدوث اختلال في شبكة الهاتف العمومية، يكون النفاذ في حالات الطوارئ إلى شبكة الهاتف العمومية ممكناً من نقطة واحدة على الأقل.

وللتغلب على مشاكل تحميل الشبكات الهاتفية أكثر من طاقتها، يمكن التفكير في حالة ذات أولوية للنداءات العاجلة. وإعطاء هذه الأولوية للمشتركين الذين من المتوقع منهم القيام بدور هام في حالات الطوارئ ممكن تقنياً، وقد أدخل هذا النظام بالفعل في بعض الحالات. وقد يبدو هذا الحل منطقياً؛ إلا إنه يتسم ببعض أوجه القصور:

-    لقد لاحظنا أن الخدمات المؤسسية في حالات الطوارئ ليست جهة الاستجابة الوحيدة في حالة الطوارئ، وأن القيود التي يفرضها نظام الأولويات للمشتركين الذين لا يتمتعون بالأولوية يمكن أن تكون له آثار ضارة. تذكر: إن الاستجابة الأولى هي مهمة وواجب كل فرد يمكنه تقديم المساعدة.

-    ينبغي لأي خطة للأولويات أن تكون عالمية، بحيث تكفل أولوية النداء من طرف إلى طرف. وعندما تتدخل أكثر من شبكة واحدة، كما هو الحال في جميع النداءات الدولية بل للكثير من النداءات الوطنية، يجب أن تكون القواعد المطبقة هي ذاتها بالنسبة لجميع المشغلين المعنيين. ويجب على جميع الشبكات المعنية أن تتعرف على نداء الأولوية.

-    عند إسناد حالة الأولوية، يجب على جميع موردي الخدمات أن يتبعوا المعايير ذاتها. ونظراً للمنافسة الشديدة بين مشغلي الشبكات التجارية، يمكن أن يصبح إسناد الأولوية حجة للمبيعات. والأرجح أن يحصل المُشغل الذي يطبق سياسة إسناد أكثر سخاء على عدد أكبر من الزبائن من ذلك الذي يبلغ زبائنه المحتملين أنهم "سيلفظون" من الشبكة في حالات الطوارئ.

تقوم شبكة الهاتف المتنقل على نفس مفهوم التوصيل من نقطة إلى نقطة بين اثنين من المشتركين. وليس الهاتف المتنقل سوى تمديد لا سلكي لشبكات هاتفية ثابتة. وحتى إن كان ظهور عوامل تكنولوجية إضافية مثل استعمال الأساليب الرقمية بدلاً من التماثلية قد أدى إلى تحسين وظائف الهاتف المتنقل، إلا أنه لا زال جزءاً من شبكة الهاتف التقليدية. وسندرس فيما يلي أكثر أشكال شبكات الهاتف المتنقل العمومية شيوعاً، أي النظام الخلوي. [الشكل التوضيحي 2.2]

في النظام الخلوي، تكفل المحطات القاعدة الراديوية التوصيل مع المشترك. ويتوقف مدى مثل هذه المحطة، وبالتالي حجم كل "خلية" على الظروف الطبوغرافية. وفي المناطق المفتوحة يمكن أن يكون للخلية نصف قطر قدره عدة كيلومترات، أما في البيئة الحضرية الكثيفة فيبلغ أقل من 100 متر. ويمكن للمستعملين أن يتنقلوا من خلية إلى أخرى، وتنقل النداءات أوتوماتياً في كل مرة يدخل فيها المشترك في مدى خلية جديدة. وتستطيع كل خلية أن تتعامل مع عدد محدود من النداءات في نفس الوقت؛ ويتراوح هذا الرقم ما بين 5 و50 عادة ويتوقف ذلك على كثافة عدد المستعملين المتوقعة. ولا تحتاج كل خلية إلى توصيلة إلى نقطة نفاذها إلى شبكة الهاتف الثابت العمومية فحسب، بل أيضاً إلى التزود بالطاقة الكهربائية. ووفقاً لموقع المحطة القاعدة، يمكن توفير أول توصيلة عن طريق خط ثابت أو وصلة بالموجات الصغرية، ويمكن التزود بالطاقة بواسطة كبل أو بوسائل مستقلة مثل البطاريات المشحونة بواسطة ألواح شمسية. وتسمح الاتفاقات المبرمة بين مشغلي الشبكات باستعمال الهواتف المتنقلة المسجلة في شبكة معينة بالعمل على شبكات المشغلين الآخرين في نفس البلد أو في بلد آخر. وفي حالات الطوارئ، تكون لهذه الإمكانية قيمة خاصة؛ غير أن تكلفة النداءات التي تجرى بل وتكلفة النداءات المستلمة في ظروف "التجوال" هذه يمكن أن تكون مرتفعة جداً.

وخدمة الهاتف المتنقل، حينما تكون متيسرة، وطالما لم تتأثر نتيجة حدث معين، تُعتبر إضافة قيمة جداً لما يتيسر من اتصالات الطوارئ. غير أن الاستثمارات الضخمة التي تنطوي على بنية تحتية لا سلكية تقصر إنشاء الخدمات المتنقلة على المواقع التي يتوقع أن يكون الطلب فيها عالياً بما يكفي لضمان استغلالها استغلالاً اقتصادياً. واعتماد هذه الخدمات على بنية تحتية إضافية يقوي من قابلية الهواتف المتنقلة للتأثر. ويقتصر عدد النداءات المرسلة في آن معاً في موقع معين، ضمن مدى خلية واحدة، على عدد النداءات التي يتوقع المشغل إدارتها في الأوقات "العادية" [المثال 2.2.ب]

ويمكن أن تكون مقاومة شبكات الهاتف الخلوي لآثار كارثة ما أكبر من مقاومة الشبكات الثابتة، شريطة مراعاة القضايا ذات الصلة عند بناء هذه الشبكات. ومن العوامل الحاسمة الحاجة إلى التيار الكهربي: ينبغي أن تكون المحطة القاعدة مزودة ببطاريات ذات سعة كافية لضمان أطول تشغيل ممكن في حالة تعطل الشبكة الكهربائية. ينبغي على فرادى المستعملين أن يتأكدوا من أن تكون بطاريات هواتفهم المحمولة والبطاريات الإضافية مشحونة في جميع الأوقات، بغية ضمان الاتصال في حالة انقطاع التيار الكهربي.

وكثيراً ما يكون التمديد المؤقت أو الاستعاضة عن الشبكات المصابة بأضرار ممكناً وذلك بواسطة النشر السريع لمحطات القاعدة الراديوية المتنقلة التي يطلق عليها "الخلايا على عجلات (COW)" ويمكن لهذه الخلايا على عجلات أن تدير عدداً معيناً من النداءات في آن معاً، ويتوقف ذلك على حجمها. وإذا تعذر التوصيل بشبكة هاتف عمومية محلياً، يمكن تزويد الخلايا على عجلات بوصلتها الخاصة أو "بجر خلفي"، بواسطة ساتل، بنقطة توصيل على شبكة الهاتف العمومية. وينبغي على مشغلي الشبكات الخلوية المشاركة في وضع خطوط الاتصالات في حالات الطوارئ؛ لأنهم يتمتعون بالخبرة اللازمة ويقع على عاتقهم إعداد التجهيزات اللازمة بحيث تكون مستعدة للنشر السريع.

وللحصول على مزيد من المعلومات حول كيفية عمل الأنظمة الخلوية، توجه إلى الموقع التالي
<www.ee.washington.edu/class/498/sp98/final/marsha/final.html>،
حيث ستجد العديد من الوصلات

والإنذار المبكر بواسطة الهاتف الخلوي ممكن والفضل في ذلك لقدرة النظام الخلوي الفريدة في الوصول إلى جميع المشتركين الموجودين في آن معاً ضمن مدى خلية أو أكثر. فالرسالة النصية "للإنذار الخلوي" يمكن إذاعتها في آن معاً على جميع الهواتف الخلوية المسجلة في خلية معينة، بغض النظر عن الشبكة التي اشتركت فيها في البداية. ويمكن توقع أعداد كبيرة من المستعملين "الجوالين" للهواتف المتنقلة في مواقع مثل المطارات أو المنتجعات السياحية. فالأفراد الذين يتلقون مثل هذا الإنذار لن يكونوا قادرين على اتخاذ الإجراءات اللازمة فحسب، بل سيكونون قادرين على إنذار الآخرين بدورهم.

والإنذارات الخلوية تعتبر وظيفة مدرجة في معظم الشبكات الخلوية، ولجميع الهواتف المتنقلة القدرة على استلام الرسائل. وبمجرد اتخاذ القرار بإصدار الإنذار، يقوم حاسوب بتحديد الخلايا التي تغطي المنطقة التي يتعين توجيه الإنذار إليها. ويمكن برمجة رسائل لحالات مختلفة مسبقاً، وهي رسائل ستوزع على الفور. وأنظمة الإنذار الخلوي مصممة لمقاومة تحميلها بما يفوق طاقتها، لأنها تستعمل قنوات إرسال بيانات منفصلة موجودة في جميع الشبكات، التي لا تستعمل من أجل الاتصالات بحد ذاتها.

ويتاح المزيد من المعلومات حول الإمكانات التي توفرها الإنذارات الخلوية من أجل الإنذار المبكر والتطبيقات المماثلة على العنوان التالي <www.ceasa-int.org>.

شبكة الهاتف المتنقل بساتل ليست سوى امتداد آخر لشبكة الهاتف التقليدية. وتبسيطاً للأمور: توجد "خلايا" الشبكة المتنقلة على الساتل، ومداها أكبر بكثير. وبالتالي يمكن للهواتف الساتلية المتنقلة أن تغطي الكرة الأرضية بأسرها. ومن ناحية أخرى، وفي حين أن عدد النداءات الآنية التي تستطيع "الخلية" تناولها محدود، تتجنب الهواتف الساتلية البنية التحتية للشبكة المصابة بأضرار أو المحملة بأكثر من طاقتها على مقربة من موقع الحدث وذلك بإعادة إرسال نداءات المشترك نحو بدالة في محطة أرضية بعيدة عن الموقع المتأثر. ولمختلف أنظمة الهواتف الساتلية خصائص مختلفة تماماً وسنعود إلى هذه المسألة في نموذج تالٍ من هذه الدورة. [الشكل التوضيحي 3.2]

الفاكس وإرسال البيانات تعتبر كقدرات إضافية توفرها شبكات الهاتف العمومية. والتجهيزات المستعملة في أسلوبي الإرسال ذات طبيعة رقمية. ويمكن أن يؤدي تحويل مضمون رسالة ما إلى إشارات رقمية، إلى نبضات، إلى السماح بزيادة ملموسة في حجم المعلومات المرسلة على وصلة اتصالات. وتقوم الشبكة الهاتفية التقليدية على الإرسال التماثلي للموجات الصوتية، ولا يمكن النفاذ كليّة إلى جميع المزايا التي تيسرها التكنولوجيا الرقمية عندما يتعين أداء التحويلات الإضافية بين الإشارات الرقمية والتماثلية عند طرف الإرسال فضلاً عن طرف الاستقبال. ويتوقف الإرسال بواسطة الفاكس على ما إذا كانت الشبكة العمومية تعمل؛ ولذلك لا يُعتبر الفاكس حلاً بديلاً إذا لم تتيسر الشبكة الهاتفية في حالة طارئة. وينطبق الأمر نفسه في كل مرة يتم فيها توفير النفاذ المحلي إلى شبكة إرسال بيانات عن طريق خط هاتفي. [المثال 2.2.ج]

شبكات الإبراق العمومية لم تعد موجودة في كثير من البلدان. ومع تزايد تيسر النفاذ الشخصي إلى شبكات الاتصالات، تناقصت الحاجة إلى هذه الخدمة إلى حد لم تعد صيانة هذه الشبكة المنفصلة كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة ممكنة اقتصادياً. وترتب على زوالها، فقدان أداة اتصالات مستقلة وبمنأى عن تحميلها ما يفوق طاقتها. وحيثما لا تزال توجد شبكات إبراق، ينبغي عدم تجاهل قدرتها على تسيير الحركة في حالات الطوارئ.

شبكة التلكس العمومية كانت في وقت ما الركيزة الأساسية للنظام العمومي الدولي لإرسال البيانات، وعانت نفس المصير في أرجاء كثيرة من العالم. وأدت سرعتها المحدودة فضلاً عن النسق المحدود للرسائل المرسلة بواسطة آلات الفاكس إلى تقييد استعمال هذا الأسلوب في الإرسال على تطبيقات خاصة، معظمها في الشبكات غير العمومية. ومن جديد، فُقِدَ بديل ممكن لشبكة الهاتف العمومية، لكن على غرار خدمة الإبراق، إذا كانت هناك خدمة تلكس متاحة ينبغي عدم تجاهلها عند البحث عن جميع الوسائل المتاحة لمواجهة حالة طارئة.

والإنترنت مزودة ببنية مختلفة تماماً عن شبكات الهاتف، أو شبكات الإبراق أو شبكات التلكس. ولا ترسل المعلومات عبر الإنترنت، عن طريق "قناة" وحيدة تقام بين أجهزة الاتصال الطرفية. وكانت الموثوقية ومقاومة الأعطال هي الأهداف الرئيسية للمصممين عند تطوير الشبكة التي تُعرف الآن بالإنترنت. وتحققت هذه الخصائص بتقسيم كل رسالة إلى قطع صغيرة يطلق عليها "رزم" ترسل بواسطة الحواسيب، ويطلق عليها "المخدِّم" و"المسير"، الذي يبحث أوتوماتياً عن أفضل الطرق المتيسرة فيما بين مطاريف الإرسال. وفي القيام بذلك باستمرار، يتجنب النظام أيضاً الازدحام إلى حد كبير: تكون الوصلة الهاتفية مشغولة حتى إن لم يتفوه أي مشترك بكلمة واحدة؛ ولا تنقل الإنترنت سوى الرزم التي تتضمن معلومات بالفعل [الشكل التوضيحي 4.2] [الشكل التوضيحي 5.2]

وللحصول على المزيد من المعلومات بشأن بنية الإنترنت، توجه إلى الموقع التالي
<http://www.cybergeography.org/atlas/atlas.html>

ومزايا الإنترنت كشبكة بذاتها وبالتالي كحل بديل لسائر الشبكات العمومية، تكفل بالطبع للمستعملين الاستفادة من نفاذ مباشر إليها. وهذه هي الحالة بالنسبة للإدارات الكبيرة أو المنشآت أو سائر المؤسسات. ويعتمد معظم المواطنين الخاصين على خط الهاتف الشخصي الخاص بهم للنفاذ إلى الإنترنت أو بواسطة نظام الهاتف المتنقل. وفي هذه الحالة أيضاً، ستؤثر قابلية تأثر هذه الشبكات في حالات كثيرة على نفاذ الجمهور إلى الإنترنت. وعند "مراقمة" توصيلة، يقوم المطراف بمراقمة رقم الحاسوب المستعمل كبوابة للنفاذ إلى الإنترنت. ويكفل قدر من الحماية من تحميل الشبكة ما يفوق طاقتها أو اختلال عوامل الشبكة بخلاف خط المشترك الحالي بواسطة تكنولوجيات تستعمل رقم هاتف المشترك كموجة حاملة للبيانات، تربط حاسوب المشترك بنقطة نفاذ إلى نظام الإنترنت. وتشمل هذه التكنولوجيات توصيلات خط المشترك الرقمي (DSL) والخط الرقمي التناظري للمشترك (ADSL)؛ ويحمل سلك أو كبل الهاتف في حد ذاته المعلومات فقط حتى نقطة النفاذ القريبة ووفقاً لأسلوب لا يتداخل مع الإشارات السمعية التماثلية المستعملة عادة في الخدمة الهاتفية. وسننظر إلى هذه التكنولوجيات بمزيد من التفصيل عند دراسة الجوانب التقنية لمختلف أساليب الاتصالات في حالات الطوارئ في نموذج لاحق.

ويسمح الإنترنت أيضاً بالاتصال الصوتي ("نقل الصوت باستعمال بروتوكول الإنترنت" أو VOIP). وتعمل وصلة VOIP مثل النداء الهاتفي، وييسر بعض موردي الخدمة إمكانية التوصيل بشبكة هاتفية عمومية. ويمكن أن يكون نظام VOIP مفيداً في حالات انقطاع الشبكة الهاتفية أو حينما تكون محملة بما يفوق طاقتها، شريطة أن تكون الوصلة بين المشترك ومورّد الخدمة عاملة. غير أنه فيما يتعلق باستعمال VOIP لأغراض النداءات في حالات الطوارئ، من المهم معرفة أن بعض وظائف الشبكة الهاتفية تكون غير متيسرة عن طريق الوصلات على الإنترنت؛ ويشمل ذلك تعرّف هوية الطالب الذي يعطى أوتوماتيكياً إلى جميع المستجيبين إلى نداءات الطوارئ المعلومات المتعلقة بأصل نداء الطوارئ.

أجهزة الاستدعاء Pagers أو "Beepers" هي أدوات اتصال في اتجاه واحد. ويمكنها أن ترسل إنذاراً، لكن كمية المعلومات التي تستطيع تناولها محدودة جداً. وهذه الخصائص تجعلها محمية مما يفوق طاقتها، ويقتصر تطبيقها في الاتصالات في حالات الطوارئ على مرحلة الإنذار - يمكن لأجهزة الاستدعاء "أن توجه طلب المساعدة" أو إذاعة إنذار، لكنها لا تكفل الحوار اللازم في المراحل التالية لعملية الإغاثة. ويمكن للجمهور النفاذ إلى بعض أنظمة الاستدعاء؛ وثمة أنظمة أخرى تشغل لأغراض محددة لمجموعة مغلقة من الناس.

الإذاعة هي مثال آخر للاتصال في اتجاه واحد. وحجم المعلومات التي يمكن أن يوزعها نظام إذاعي تحدد بالسرعة التي يمكن بها الحصول على هذه المعلومات واستيعابها. وتُعتبر الإذاعة في مرحلة الإنذار أداة مفيدة للغاية. وطالما كانت تجهيزات الاستقبال والتيار الكهربي اللازم لتشغيل هذه التجهيزات متاحة، تبقى جميع أشكال الإذاعة على هذا الدور حتى في أعقاب تأثير الكارثة. وأكثر أشكال الإذاعة شيوعاً هي الراديو والتلفزيون، لكن هناك أنظمة أخرى لها قدرات إذاعية، يمكن استعمالها في الاتصالات في حالات الطوارئ. وسنعود إلى إحدى هذه الإمكانيات عندما سنتناول أساليب الاتصال في إطار نموذج لاحق من هذه الدورة.

3.2       بعض الجوانب المشتركة في الشبكات العمومية

سنقوم بدراسة البيئة التنظيمية للاتصالات بمزيد من التفصيل في النموذج الخامس من هذه الدورة. وفيما يتعلق باستعمال الشبكات العمومية للاتصالات في حالات الطوارئ، فمن المحتم علينا رغم ذلك أن ندرك من الآن فصاعداً بعض الآثار.

في جميع البلدان، يخضع تقديم خدمة الاتصالات العمومية لقوانين حكومية. فالشبكات العمومية لا توضع تحت الإشراف المباشر لمستعمليها. وفي حالات الطوارئ، تمنح مرافق شبكات الاتصالات للجمهور إمكانية النفاذ المباشر إليها وبالتالي يحدد بواسطة مشغلي الشبكات وفي نهاية المطاف من قبل السلطات الحكومية.

وتكلفة الاتصالات يمكن أن تصبح بسهولة عبئاً كبيراً جداً على مقدمي خدمات الإغاثة في حالات الطوارئ. وإن كانت التكلفة تعتبر بمثابة قضية ثانوية خلال العمليات الأولية للإنقاذ، إلا أنه سرعان ما يمكن أن تتجاوز الميزانية خلال بضعة أيام لا سيما بالنسبة للمنظمات غير الحكومية الطوعية. وفي مقدمة هذه المصروفات بالطبع تلك المترتبة على الوصلات الساتلية، حيث يمكن أن تكون رسوم النداءات القصيرة للاتصال بين هاتفين متصلين بساتل باهظة. وفي معظم الأنظمة، يفوتَر نداء من هذا القبيل باعتباره نداءين، ولأسباب تقنية يسير من الطالب إلى الساتل، ومن هناك إلى المحطة الأرضية، ثم من جديد إلى الساتل قبل أن ينـزل إلى الهاتف الآخر المتصل بساتل.

وبُذلت محاولات عديدة للحصول على تخفيض عام في رسوم الاتصالات أثناء المراحل الحرجة من عمليات الإغاثة في حالات الكوارث. وتنص معاهدة دولية، "اتفاقية تامبيري"، التي سنتناولها بمزيد من التفصيل في نموذج لاحق، على تخفيض الرسوم في مثل هذه الحالات. ومن الأسباب المعطاة حتى الآن لعدم تطبيق هذه المادة من هذه المعاهدة الدولية تعدُّد مشغلي الشبكات وتعقيد أنظمة الفوترة الدولية.

يهتم مورّدو خدمات الاتصالات العمومية، بشكل متزايد، بجعل شبكاتهم مقاومة للكوارث. وقد حدث أثناء كارثة معينة أن تم تقييد نفاذ الجمهور عن عمد. وفي الماضي كانت هذه القيود غير التقنية تُفرض لسببين: لا تسمح أنظمة الأولوية المقررة مسبقاً بالاتصال سوى بين مشتركين سبق تحديدهم، لا سيما السلطات العامة وخدمات الطوارئ، والفصل المتعمد لوصلات الاتصالات في حالة الأزمات التي يمكن أن تكون لها آثار سياسية أو عسكرية. [المثال 3.2]

والواقع أن البنية التحتية للاتصالات في بلد معين ليست بالضرورة تحت الإشراف الكامل لسلطاته الوطنية، يزيد من مخاطر "الاختلال الإداري" لهذه الخدمات. وينطبق ذلك بشكل خاص على الوصلات بساتل، لأن أي نداء من هاتف أو مطراف ساتلي إلى نظير يخضع لذات الولاية القضائية الوطنية يتعين أن يمر عن طريق ساتل كما يمكن أن تتدخل محطة أرضية في بلد أجنبي. ويجوز لمشغل الشبكة الساتلية أو مالك البنية التحتية، في أي وقت، منع النفاذ لبعض المناطق أو للمشتركين الأفراد.

وحدثت حالات محدودة جداً من الاختلال العمدي أو الإداري لهذه الخدمات حتى الآن. إلا أنه فُرضت قيود، بل منع استعمال الهواتف والمطاريف الساتلية في حالات المنازعات. ومقارنة بوصلات الاتصالات الأرضية، تشكل الخدمات الساتلية في كل الأحوال أوجه ضعف إضافية بحيث لا يمكن الاعتماد عليها كحل شامل للاتصالات في حالات الطوارئ.

والإذاعة هي أكثر أشكال الاتصالات العمومية شيوعاً على الشبكة العمومية. وهي أداة قوية جداً للإعلام، ولذلك تمارس بلدان عديدة مراقبة صارمة عليها. ولا تشارك عادة في هذه المراقبة سلطات الاتصالات فحسب، بل أيضاً الكيانات الحكومية الأخرى المعنية بالإعلام، وبوسائط الإعلام والسلامة والأمن العام أيضاً.

ويمكن للمعلومات المذاعة بواسطة أي وسيلة، كالراديو أو التلفزيون أو الهواتف الخلوية بل حتى مكبرات الصوت، أن يكون لها آثار قوية جداً على سلوك المستهدفين. ولذلك من المهم للغاية أن تكون المعلومات موثوقة في حالات الطوارئ. وللقيام بذلك، ينبغي وضع قواعد واضحة تتعلق بالسماح بتوجيه الرسائل العاجلة. ويجب أن يشكل وضع خطوط توجيهية وقواعد لبث الإنذارات على الجمهور جزءاً من أي خطة للاستعداد للكوارث. وفي الحين ذاته قد يكون من الحيوي، عدم تأخر إرسال الإنذارات نظراً للحاجة إلى إذن من سلطة معينة لا يمكن الوصول إليها، وتحديداً في حالة يكون فيها للوقت قيمة حاسمة.

4.2       بعض الاستنتاجات

الشبكات العمومية هي أول وسيلة اتصال عاجل متاحة في معظم الأحوال. بيد أن مقاومتها للأضرار التي قد تحدث للبنية التحتية وخصوصاً تحميلها ما يفوق طاقتها محدودة جداً. وهي ليست تحت الإشراف الكامل للمستعملين، وتخضع لعدد من التأثيرات الخارجية والأجنبية على وجه الاحتمال. وبعد انقضاء مرحلة الإنقاذ الأشد حدة، يمكن أن يكون لاستعمالها، وخصوصاً في الاتصالات الدولية، تكلفة باهظة.

ولذلك سيتطلب الاستجابة لحالة طارئة استعمال وسائل الاتصالات المتخصصة الإضافية. وهذه "الشبكات الخاصة" ستكون موضوع النموذج التالي من هذه الدورة.


  Previous module

Next module