
الأمن السيبراني
واحد من أهم تحديات العصر. وقد مكَّن النمو السريع لشبكات تكنولوجيا
المعلومات والاتصالات بعض الانتهازيين من استغلال مَواطن الضعف على الخط
والتهجُّم على البنى التحتية الحرجة للبلدان. والبريد الاقتحامي مشكلة
مستمرة مستشرية تهدد بإنهاك قدرة الإنترنت على نقل البيانات إلى الحد
الأقصى، بينما تؤثر عمليات الاحتيال والتلاعب والبرمجيات الخبيثة في أنظمة
تكنولوجيا المعلومات في شتى أنحاء العالم. والتكاليف المرتبطة بالتهديدات
السيبرانية والهجمات السيبرانية حقيقية وكبيرة - لا من حيث خسارة الإيرادات
وانتهاكات البيانات الحساسة والهجمات السيبرانية وتعطيل الشبكات فحسب وإنما
من حيث تدمير حياة الناس من خلال انتحال الهوية وتحميل الديون في بطاقات
الائتمان المنهوبة أو استغلال الأطفال على الخط. إن الثقة بعينها التي
نوليها لعالَم على الخط هي في كفة الميزان - أي الإضرار بمستقبَل مجتمع
المعلومات الذي يُخشى عليه من خطر هذه التهديدات السيبرانية المتزايدة.
لقد اضطلع الاتحاد
الدولي للاتصالات بدور طليعي في تعزيز الأمن السيبراني وهو يسعى جاهداً
لمواجهة الموجة العارمة من التهديدات السيبرانية. وبمناسبة اليوم العالمي
للاتصالات ومجتمع المعلومات لعام 2007، أطلق الاتحاد برنامج الأمن
السيبراني العالمي. وقد أمضى فريق خبراء رفيع المستوى طوال العام الماضي
يستعرض القضايا ويضع المقترحات من أجل استراتيجيات طويلة الأجل للنهوض
بالأمن السيبراني، وهو إنجاز مرموق حظي بشرف تقديم الميدالية الفضية
للاتحاد إلى رئيس الفريق كبير القضاة ستاين سيولبرج.
إن برنامج الأمن
السيبراني العالمي يدخل الآن مرحلته التشغيلية، والاتحاد الدولي للاتصالات
يدخل في شراكة حيوية مع "الشراكة الدولية متعددة الأطراف لمقاومة التهديدات
السيبرانية" (IMPACT) التي تستضيفها حكومة ماليزيا، والتي تسعى إلى إقامة
نظام إنذار مبكر عالمي ليكون في متناول جميع الدول الأعضاء. ومبادرة "حماية
الأطفال على الخط" مشروع ذو أهمية حيوية من شأنه أن يكفل حماية أكثر الفئات
تأثراً على الخط بتوفير توجيهات قيِّمة بشأن السلوك الآمن على الخط،
بالتآزر مع وكالات أخرى في الأمم المتحدة ومع شركاء آخرين. وقد رحَّب
الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون أمس بمبادرة الاتحاد لحماية
الأطفال على الخط وحثَّ جميع الدول على دعمها. والدول الأعضاء في الاتحاد
تقف صفاً واحداً في عزمها على مكافحة التهديد المتزايد للجريمة السيبرانية
والمخاطر الكامنة في التهديدات السيبرانية الجديدة والناشئة.
ومن التحديات
الهامة الأخرى التي تتربص بنا تغيُّر المناخ، الذي من شأنه تغيير ملامح
العالم. ومهما كانت الأسباب الكامنة، وإذا ما استمرت معدلات الانقراض
الحالية، يتنبأ العلماء بأن ثلثي جميع أنواع الطيور والثدييات والفراش
والنباتات سوف ينقرض بنهاية القرن الحالي. ولا يقتصر الأمر على أنواع
الحيوان والنبات وإنما يتهدد الخطر بقاء العالَم الذي نعيش فيه بالذات.
وتغيُّر المناخ تحدٍّ عالمي لا يسع العالم أن يستهتر به وينهزم أمامه - لا
من أجلنا نحن فحسب وإنما من أجل أولادنا.
ويعكف الاتحاد على
وضع هذه المسألة الهامة في صلب برنامج عمل الاتحاد الاعتيادي. كما يضطلع
الاتحاد بأعمال هامة تبحث في كيفية تسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
للمساعدة على منع تغيُّر المناخ ودرئه. وهنالك دور فاعل يؤديه الاتحاد في
مجال المعايير لضمان كفاءة استهلاك الطاقة في معدات تكنولوجيا المعلومات
والاتصالات التي هي عماد الاقتصاد الرقمي. وطالما احتل الاتحاد مكان
الصدارة في وضع المعايير رفيعة المستوى للاتصالات ولتكنولوجيا المعلومات
والاتصالات، وهذا مجال رئيسي آخر من المجالات التي يستطيع فيها الاتحاد أن
يغيِّر مجرى الأمور حقاً.
والقرار الذي
اتخذته الجمعية العالمية لتقييس الاتصالات مؤخراً في جوهانسبرغ يشجع الدول
الأعضاء في الاتحاد على العمل نحو تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن
استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تماشياً مع اتفاقية الأمم المتحدة
الإطارية المتعلقة بتغيُّر المناخ. ويطمح الاتحاد إلى تحقيق الحياد المناخي
في عملياته خلال ثلاث سنوات، والاتحاد في طليعة مسيرة التقدم هذه مقارنة
بالعديد من المنظمات الدولية الأخرى.
وفي إطار الجهد
العالمي للحد من تغير المناخ، ما فتئ الاتحاد يساعد البلدان النامية على
تخفيف آثار هذا التغيّر، بما في ذلك استخدام اتصالات الطوارئ وأنظمة
الإنذار لعمليات الإغاثة في حالات الكوارث. ويقوم الاتحاد، بالتعاون مع
أعضائه، بتحديد النطاقات الضرورية في طيف الترددات الراديوية من أجل رصد
المناخ والتنبؤ بالكوارث واستشعارها وعمليات الإغاثة، بما في ذلك تعاون
يبشر بالخير مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في ميدان تطبيقات التحسُّس
عن بعد.
ويواصل الاتحاد
الجهود المتضافرة في سياق منظومة الأمم المتحدة وذلك "للعمل يداً واحدة"
واضعاً نصب عينيه العلاقة بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتغير المناخ.
وفي عام 2000 أقر أعضاء الأمم المتحدة إعلان الألفية بمثابة التزام متجدد
بالتنمية البشرية، بما في ذلك الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية. ولكن
يبدو أن تأثيرات تغيُّر المناخ تجنح إلى كبح التقدم المحرز في تحقيق
الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015، ولذلك من الأهمية بمكان تمكين
البلدان النامية بتيسير إمكانية نفاذها إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
اللازمة للتكيف مع تغير المناخ والحد من خطر وقوع الكوارث.
وهنالك إقرار واسع
النطاق بأن مسألة تغير المناخ تبرز سريعاً كواحدة من الشواغل العالمية التي
تستوجب استجابة عالمية. وقد شدَّد المشاركون في الشطر رفيع المستوى على أن
الدول الأعضاء ملتزمة بالحد من تغير المناخ. والاتحاد الدولي للاتصالات
ثابت في التزامه بالحد من تغير المناخ. والأعمال التي يضطلع بها منسجمة مع
احتياجات وأولويات الدول الأعضاء فيه من حيث الأهمية الحيوية لاتخاذ
الإجراءات اللازمة للحد من تغيُّر المناخ.
الدكتور حمدون إ.
توريه
الأمين العام
|