يوفر النموذج 4 معلومات عن بعض الجوانب التقنية للاتصالات وما يترتب عليها من آثار تشغيلية. وسيكتسب الطلاب معارف أساسية بالحقائق التقنية اللازمة لاختيار أنسب الأدوات عند وضع خطط الاستعداد للطوارئ؛ وستساعدهم هذه المعلومات على الانتفاع أكثر ما يمكن بالتجهيزات والشبكات التي يمكن أن تيسَّر في حالة طوارئ معينة. والأرجح أن يتمكن الطلاب ممن لديهم بعض الخلفية في الفيزياء الأولية استكمال عملهم بهذا النموذج بسرعة كبيرة، ويمكنهم الاهتمام أساساً بالوصلات إلى المعلومات أو بالجوانب الأكثر تقدماً لتكنولوجيا الاتصالات. وترد بعض الخطوط التوجيهية الأساسية لتشغيل شبكات الاتصالات الراديوية الخاصة في ملحق بهذا النموذج.
1.4 ما هو المقصود بالأسلوب التماثلي وبالأسلوب الرقمي للاتصالات؟
تُنقل الإشارة الصوتية على شبكة خط الهاتف الثابت باعتبارها تيار كهربائي يغير من تواتر الموجات السمعية. ويُطلق على هذا الشكل من الإرسال بالإرسال التماثلي، حيث يحتفظ المضمون من المعلومات بشكله الأصلي (الموجات الصوتية في الهواء) حتى عندما يحملها وسيط آخر (التيار الكهربائي على الأسلاك).
ويمكن تحويل المعلومات إلى شكل رقمي. ومن الأمثلة على هذا الأسلوب شفرة مورس، وهي أقدم عهداً من خدمة خط الهاتف الثابت، التي كانت تستخدم أنظمة الإبراق الماضية، التي كانت تحول الحروف إلى إشارات تتألف من تتابع من النبضات، وتميز وصلة الإبراق فقط بين "التيار واللاتيار". وبعبارة رياضية: الرقمان صفر وواحد يمثلان جميع المعلومات.
والأساليب الرقمية تتميز بأنها مناسبة أكثر للمعالجة الرقمية للمعلومات، لكنها تتطلب تغيير أو تحويل المضمون عند طرفي الإرسال والاستقبال.
ويجري نقل النصوص بالأسلوب الرقمي حصراً. وفي حالات كثيرة، كما هو الشأن في الهواتف الخلوية، يحوَّل حتى الصوت إلى إشارات رقمية. ويعوَّض التعقيد الإضافي في الجهاز بزيادة كفاءة الشبكة الرقمية وبالوظائف الإضافية التي يجعلها ممكنة.
2.4 ما المقصود بالراديو؟
حينما طُلب من ألبرت أينشتاين شرح كيفية عمل الاتصالات اللاسلكية، أجاب قائلاً: "الإبراق السلكي هو عبارة عن قِط طويل جداً جداً. فإذا جذبت ذيله في نيويورك فإن رأسه سيموء في لوس أنجليس. هل فهمت؟ والراديو يعمل بنفس الطريقة تماماً: فإذا أرسلت إشارات هنا، سيستقبلونها هناك. الفرق الوحيد هو عدم وجود قِط".
والواقع هو أن الأمور أكثر تعقيداً، ولكن لكي نفهم ما يستطيع أو ما لا يستطيع جهاز الراديو عمله في الاتصالات في حالات الطوارئ يجب علينا أن نتفهم بعض المبادئ الأساسية.
تتحرك الموجات الصوتية في شكل حركات للجزيئات في الهواء. وينتقل التيار الكهربي بواسطة مواد مُوَصِّلة، مثل الأسلاك المعدنية. ولا تستطيع الموجات الصوتية أن تخرج من الغلاف الجوي أو أن تنتقل في فراغ، لكن الموجات الكهربية تستطيع، في ظل ظروف معينة، الخروج من الأسلاك حيث يمر التيار الكهربي. وهي تفعل ذلك إذا تغير اتجاه التيار بسرعة كبيرة فقط؛ ويطلق على هذا التيار بالتيار المتناوب. ويطلق على التغير في سرعة اتجاه التيار تردد الموجة الراديوية. ويطلق على التجهيز الذي يُنتِج مثل هذا التيار سريع التغير المرسِل، وهوائي الإرسال هو السلك الذي تخرج منه الموجات الراديوية. وعلى الجانب الآخر من وصلة الراديو، تنتج الموجات المرسَلة تياراً كهربائياً ضعيفاً جداً في سلك مماثل، هوائي الاستقبال. وثمة تجهيز آخر، وهو المستقبِل، يقوم بتكبير هذا التيار ويحوله إلى إشارة يمكن معالجتها.
كل شيء على ما يرام حتى الآن. وستكون المعلومة الوحيدة المتيسرة عند طرف الاستقبال هي ما إذا كان المرسل قد قفل الدائرة الكهربية أم لا. ولكي يتسنى استعمال الموجات الراديوية كموجات حاملة للمعلومة، فإننا نحتاج إلى تشكيلها: يجب علينا التأثير على خصائصها بطريقة تسمح "بقراءة" المعلومة "المكتوبة" عليها عند طرف الإرسال، عند طرف الاستقبال. وفي حالة الاتصالات، تشبه الموجات الراديوية الورق الذي تُكتب عليه رسالة، ويمكن صياغة المعلومات بلغات مختلفة أو شفرات مختلفة. وأسهل طريقة هي فرض رسالة على موجة راديوية: وذلك بإشعال أو إقفال المرسل، وهو ما يسمح لنا بإرسال النبضات، وهي شفرة معناها معروف على جانبي الوصلة. وما لدينا الآن، هو ما يطلق عليه "الإبراق اللاسلكي" وشفرة مورس هي "لغة". [الشكل التوضيحي 1.4]
ولكن يمكننا المضي أبعد من هذه الطريقة، وذلك بتغيير خصائص الموجة الراديوية مثلاً وفقاً لوتيرة الموجة السمعية. وعندئذ يكون لدينا ما كان يطلَق عليه في الماضي "المهاتفة اللاسلكية". وتغيير قدرة أو اتساع الإشارة الراديوية يؤدي إلى "تشكيل الاتساع" أو AM، وهو المستعمل عادة للإرسال الراديوي بالموجات القصيرة HF ويستعمل عادة كاسم للموجات القصيرة والمتوسطة والطويلة التي يستعملها هذا الأسلوب.
ويؤدي تغيير تردد موجة راديوية بوتيرة التشكيل إلى ما يطلق عليه "تشكيل التردد" أو FM. وكلنا يستعمل هذا المصطلح لإرسال VHF، لأن تشكيل التردد هو أكثر أنماط التشكيل شيوعاً المستعملة للإذاعة دقيقة الأداء Hi-Fi. وتستعمل معظم تجهيزات الاتصالات على الشبكات VHF وUHF أيضاً تشكيل التردد FM، ولذلك فإن نوعية الصوت تكون أفضل غالباً من الشبكات التي تستعمل الموجات القصيرة وتستعمل AM أو مشتقاتها. وأحد هذه الأساليب هو "النطاق الجانبي الوحيد" (SSB) والمستعمل في معظم وصلات الاتصالات الصوتية على الموجة القصيرة.
والأساليب الرقمية ذات كفاءة عالية أيضاً عندما تُحمَل على الموجات الراديوية. وتستعمل الوصلات الراديوية الرقمية التغييرات السريعة بين حالتي وصلة، في وجود موجات راديوية أو في غيبتها، أو تغييرات بين خاصيتين وعلى سبيل المثال بين اتساع أو تردد عال ومنخفض.
ويمكن
التعبير عن
تردد موجة
راديوية
أيضاً بطول
موجته. وتنتقل
الموجات
الراديوية
بسرعة الضوء.
وأطوال
موجاتها هي
المسافة التي
تقطعها
الوحدة
الزمنية
مقسومة على
عدد المتغيرات
على مدى
الفترة ذاتها.
وتقاس
الترددات من
حيث
التغييرات أو
الدورات في
الثانية؛
ويطلق على كل
تغيير في
الثانية "1 هرتز"
نسبة إلى
العالِم
الألماني
هاينريش هرتز
الذي قام
للمرة الأولى
بوصف خصائص
الموجات
الكهربائية.
وتُستعمل
وحدات عملية أكثر
عند الحديث عن
الموجات
الراديوية،
حيث تحدث
أعداد كبيرة
للغاية من
الدورات في
الثانية: على
غرار وحدات
أخرى في
النظام
المتري،
وتُستعمل
السابقة
"كيلو" للإشارة
إلى 1 000، والسابقة
"mega"
للدلالة على
المليون،
والتعبيران
كيلوهرتز (kHz) وميغاهرتز
(MHz) هما
من أكثر
الوحدات
المستعملة
شيوعاً. [الشكل
التوضيحي 2.4]
وتتوقف طريقة انتشار الموجات الراديوية على ترددها أو طولها. وكلما كان التردد عالياً كلما اقتربت خصائص انتشارها من خصائص الضوء المرئي. وتنتشر الموجات VHF بل والموجات UHF في خط مستقيم ولا تنعكس إلا إذا قابلت أشياء ذات خصائص مادية محددة. والعوائق مثل التلال أو المباني تتسبب في "ظلال" وهي منطقة لا يمكن الاستقبال ضمنها.
وتتبع الموجات القصيرة للطيف الراديوي إلى حدٍ ما محيط التضاريس. بالإضافة إلى ذلك تعكسها الطبقات العليا للغلاف الجوي للأرض. وتعتمد درجة انعكاسها على زاوية بلوغها الطبقات العاكسة بل وعلى الخصائص المادية لهذه الطبقات. وهذه تتغير بدورها وفقاً لساعات اليوم وفصول السنة والنشاط الشمسي (وفقاً لكلفة الشمس مثلاً). ويتطلب الاستعمال الفعال لطيف الموجات القصيرة للاتصالات البعيدة معارف أساسية بالعوامل التي تؤثر في انتشار الموجات الراديوية واللجوء إلى خبرة مشغّلين مَهَرة. وفي ظل الظروف المواتية، يمكن إجراء اتصالات بالموجات القصيرة على الصعيد العالمي دون الحاجة إلى مصدر طاقة يزيد عن مصدر المشعل الكهربي. [الشكل التوضيحي 3.4]
وحتى الموجات الأطول، على غرار تلك التي تستعملها الخدمات الإذاعية بتشكيل الاتساع أو تلك المستعملة على "الموجات المتوسطة" و"الموجات الطويلة" لا يعكسها الغلاف الجوي. فالمسافة التي تقطعها "الموجة على الأرض" حتى تمتص طاقتها تحد من مداها. ويتوقف الامتصاص في هذه الحالة على وجود ظروف معينة في الغلاف الجوي؛ ويزيد أثناء الليل مدى الموجات الراديوية الأطول عادة.
ويسمح استعمال تردد مختلف لكل وصلة راديوية للمستقبل بالتمييز بين الإشارات الآتية من مرسلات مختلفة. ولا تشكل حساسية، بل انتقائية المستقبل أيضاً المعيار الرئيسي لتحديد أدائه. ويُعتبر الهوائي على ذات القدر من الأهمية، وسندرس أهميته في الفصل التالي.
3.4 بعض العواقب العملية
بحثنا في النموذج 3 الأنظمة المختلفة وتطبيقاتها. وبفضل الشرح التقني في الفصل أعلاه سنتفهم على نحو أفضل أسباب استعمال أنظمة مختلفة لأغراض مختلفة.
الهوائيات المناسبة أمر لا غنى عنه لجميع الاتصالات الراديوية. وكما رأينا فيما سبق، فالتجهيزات VHF عادة ما تكون أصغر وأقل وزناً من التجهيزات بالموجات القصيرة. وينطبق ذلك بوجه خاص على الهوائيات. ويجب أن يكون للهوائي أبعاد محددة حتى يرسِل بكفاءة أو يستقبِل موجات ذات طول موجة محدد. ويجب أن يكون لأي هوائي أبعاد محددة. والحجم الأمثل لهوائي رأسي هو ربع طول الموجة. وبالنسبة لمرسِل/مستقبِل VHF، يؤدي استيفاء هذا الاشتراط إلى أن يكون طول الهوائي 50 سنتيمتراً بل أقل من ذلك لتجهيز يعمل بالموجات UHF. أما بالنسبة لمحطة تُحمل باليد أو محطة متنقلة بالموجات القصيرة، يمكن أن يكون الهوائي الرأسي الذي يبلغ طوله ربع طول الموجة غير عملي، حيث إن أبعاده المادية ستكون ما بين 2,5 و25 متراً.
وهناك وسائل لتخفيض الأبعاد المادية لهوائي معين، لكنها تؤدي حتماً إلى تقليل كفاءته. فالهوائيات القصيرة المغلفة بالمطاط والمستعملة عادة في المرسِلات/المستقبِلات VHF المحمولة باليد هي مثال لحل وسط: ولا يزال طول سلك الهوائي الحالي يشكل ربع طول الموجة لكنه يلتف لولبياً حول طرف القضيب أو الأنبوب المطاطي. وتستعمل الهواتف المتنقلة تقنيات مماثلة لتقصير الهوائي إلى حد وضعها داخل الهاتف ذاته، لكن نظراً للكثافة العالية لمحطات القاعدة الخلوية تكون الخسارة الناشئة في كفاءة الهوائي مقبولة عادة. وفي حالة المرسِل/المستقبِل VHF المحمول باليد، يمكن أن يكون الهوائي المستقيم عادي الطول أقل ملاءمة، لكنه سيؤدي في جميع الأحوال إلى مدى اتصال أفضل.
ومن ناحية أخرى، يوفر استعمال هوائيات تركز الموجات الراديوية في اتجاه واحد كسباً فعلياً يماثل الكسب الذي يمكن تحقيقه بزيادة قدرة المرسِل. وبالنسبة لطول الموجات المستعملة في الاتصالات VHF، لا تُعتبر الهوائيات الاتجاهية عملية في الاستعمال المحمول باليد أو الاستعمال المتنقل، لكن يمكن تركيبها في محطات القاعدة للحركة في اتجاه معين أو تزويدها بمدور لتغيير اتجاه التسديد. والهوائيات الاتجاهية مفيدة أيضاً في الإرسال والاستقبال، وأفضل شكل معروف لها هو هوائي التلفزيون الشائع. ويمكن تحقيق كسب الهوائي بتركيز إشعاع الهوائي في الاتجاه الرأسي؛ وتشع مثل هذه الهوائيات طاقة أقل في السماء ولكن تركزها في زاوية أفقية في ذات الوقت الذي تبقى فيه على طابعها شامل الاتجاهات. وهي موجودة عادة في محطات القاعدة ومحطات المكرر VHF. ويجوز استعمال عاكس مكافئي، على الترددات العالية جداً؛ ويركز هذا "الهوائي المكافئي" الموجات الراديوية مثل العاكس أو المرآة البصرية الضوء في شكل وميض.
وينطبق المبدأ ذاته على الموجات القصيرة. وتكون كفاءة الهوائي، الأقصر مادياً من ربع طول الموجة على الأقل، أدنى من هوائي كامل الحجم، وتستطيع الهوائيات الاتجاهية تمديد مدى محطة ما إلى حدٍ كبير. ومن بين أكثر الهوائيات بالموجات القصيرة كفاءة ما يطلَق عليه هوائيات الحزمة، والتي تبدو وكأنها هوائيات تلفزيونية ضخمة: وعادة ما يتراوح طول عناصرها ما بين 5 و20 متراً. ويوجد نمط خاص من هذه الهوائيات يطلَق عليه هوائيات خوارزمية دورية، تعمل بكفاءة عالية على طائفة عريضة جداً من الترددات. ويمكن أيضاً تصنيع هوائي بموجات قصيرة من أسلاك معلقة بين الصواري أو على الأشجار أو على المباني.
تنطبق قاعدتين أساسيتين على جميع الهوائيات:
ولكي يكون الهوائي فعالاً، يجب أن يكون طناناً، أي أن تكون أبعاده مناسبة لتردد التشغيل، وينبغي أن يركَّب أعلى ما يمكن من الأرض قدر الإمكان.
وكما هو الشأن في جميع القواعد فإنه توجد استثناءات، وتوجد هوائيات عريضة النطاق وفي بعض الحالات يمكن أن يحسّن الوضع المنخفض لهوائي بموجات قصيرة الاتصال على مسافة معينة. وتشكل هوائيات النطاق العريض دائماً الحل الوسط بين ملاءمة التشغيل والأداء الأمثل وأي انحراف عن مبدأ "كلما كان عالياً كان أفضل" يتطلب تحليله من قبل تقني مدرَّب. والهوائيات المستعملة للاتصالات بواسطة السواتل هي الاستثناء على القاعدة الثانية: والارتفاع عن سطح الأرض لا يُعتبر عاملاً محدداً طالما لا يعاق المسار إلى السواتل بواسطة معوقات مثل المباني أو تضاريس الأرض.
يتطلّب دراسة مصادر الطاقة اللازمة لتجهيزات الاتصالات عناية خاصة عند استعمال هذه التجهيزات في حالات الطوارئ. ويمكن أن تتأثر البنية التحتية لشبكة التزويد بالطاقة الكهربية بالتيار المتناوب نتيجة الأضرار المادية التي يمكن أن تسببها كارثة للصواري والأسلاك والكبلات. وتقوم أنظمة السلامة الأوتوماتية برصد جميع الوظائف وستقوم في بعض الحالات أيضاً بإغلاق قطاعات لم تتأثر مباشرة بالحدث. ويمكن أن يؤدي التخفيض الكبير والمفاجئ في استهلاك الكهرباء الناجم عن تعطيل أو فصل بعض أجزاء الشبكة بدوره إلى إيقاف المولدات أوتوماتياً مما يؤثر أيضاً على أجزاء من الشبكة لم يمسها الحدث.
وفي جميع هذه الحالات، ستتأثر أنظمة الاتصالات ما لم تكن تتزود بمصادر طاقة أخرى. ويبدو أن البطاريات هي الحل البديل، لكن قدرتها والوقت التي يمكنها خلاله توفير الطاقة محددان. وتُحسب قدرة البطارية "بالأمبير/الساعة" وتُنتج التيار اللازم طوال المدة التي يمكن خلالها توفير هذا التيار. وتقاس القدرة الكهربائية للبطارية بالأمبير/ساعة (AH).
ثمة نوعان من البطاريات أساساً لكل منهما مزاياه ومثالبه للاستعمال في حالات الطوارئ. والنمط المعروف عموماً هو "بطاريات المشعل الكهربي" ولا يمكن إعادة شحنها. ويؤدي التفاعل الكيميائي في هذا النمط من البطاريات إلى توليد تيار كهربي إلى أن تنفد تماماً المواد التي يحدث بينها التفاعل. أما البطاريات القابلة للشحن، والمعروفة ببطاريات السيارات وكذلك البطاريات التي تزود معظم الهواتف المتنقلة بالطاقة أو ما يطلَق عليه على الأصح "المراكم"، تعتبر العملية الكيميائية قابلة للعكس: ويعكس استعمال أو تفريغ مركم ما العملية الكيميائية للشحن دون التأثير بشكل دائم على مواد التفاعل. وبعد عدد كبير من دورات الشحن والتفريغ، يستعمل المركم قدرته تدريجياً على تخزين الطاقة.
تُعتبر البطاريات غير القابلة للشحن أنسب أنواع البطاريات في حالات الاستعمال العرضي أو الضئيل. ويمكن عادة الاحتفاظ بها لعدة سنوات ومن ثم يمكن استعمالها على الفور. أما بالنسبة للاستعمال الأكثر تواتراً، بطاريات السيارات مثلاً، تُعتبر المراكم هي الأفضل. وطوال مدة حياتها يمكن إعادة استعمالها آلاف المرات شريطة إعادة شحنها بانتظام. غير أن المركم يفقد ببطء قدرته، إذا تم تخزينه لفترة طويلة، ما لم يتم إعادة شحنه بانتظام. ولكي يكون في المستطاع استعمالها في حالات الطوارئ، ينبغي صيانة المراكم بانتظام.
إن حجم وقدرة البطاريات غير القابلة للشحن محدودتان. وهي مناسبة لتجهيزات الاتصالات الصغيرة فقط، عادة للمرسِلات/المستقبِلات التي تُحمل باليد أو المرسِلات/المستقبِلات المحمولة العاملة بالموجات VHF أو UHF، في الحالة التي يتوجب فيها استعمال هذه التجهيزات في حالات الطوارئ حصراً. وفي حالة استعمال هذه التجهيزات لفترة من الوقت تتجاوز عدة ساعات، ينبغي توفير بطاريات إضافية كافية. [المثال 3.4]
وتَستعمِل التجهيزات ذات متطلبات الطاقة المنخفضة أيضاً المراكم في معظم الحالات. والصيانة المنتظمة مطلوبة للاستعمال في حالات الطوارئ، وإذا جرت إعادة شحنها يمكنها أن تغطي الاحتياجات من الطاقة لفترات ممتدة. وبدون إعادة شحنها فلا جدوى منها شأنها شأن البطاريات العاملة في اتجاه واحد وغير القابلة للشحن. ولهذا السبب، ولكن أيضاً بسبب القدرة المحدودة حتى بالنسبة للمراكم الضخمة والثقيلة، ينبغي النظر في مصادر أخرى للطاقة في حالات الطوارئ.
المولدات، المحركات التي تعمل بالبنـزين يمكنها أن تغطي الاحتياجات الكبيرة من الطاقة لفترات طويلة. وهي موجودة بأحجام مختلفة، تتراوح من المولدات الصغيرة التي تُحمل وتوفر ما يكفي من التيار لتشغيل بعض الأجهزة الصغيرة والخفيفة الأخرى إلى التجهيزات الثابتة التي تغطي كل احتياجات مبنى ضخماً من الطاقة أو الاحتياجات التي تواجه في موقع في حالة طوارئ. وعند اختيار نوع المحرك، يجب دراسة تيسر الوقود؛ فنقل وتداول وقود الديزل أكثر أماناً من نقل وتداول البنـزين، وفيما عدا المولدات الصغيرة جداً، ينبغي تفضيل محركات الديزل.
والمصادر البديلة للطاقة الكهربائية لها تطبيقات ممكنة في الاتصالات في حالات الطوارئ على الأجل الطويل فحسب. ويتطلب تركيب الألواح الشمسية أو المولدات التي تعمل بطاقة الرياح خبرة وقوة عاملة لا تتوفر عادة في حالة الطوارئ. غير أن هذه المصادر المجانية للطاقة المتجددة تُعتبر خيارات ممتازة للتجهيزات العاملة في المواقع النائية على مدى فترة أطول. ومن أمثلة ذلك محطات المكرر العاملة بالموجات VHF وUHF. وسيعاد شحن مراكمها دورياً، حينما تسمح ظروف الأرصاد الجوية بذلك. أما البدائل الأخرى مثل المولدات الصغيرة التي تدار يدوياً أو تلك التي تدار بدواسة تشبه الدراجة، فقدرتها محدودة جداً. وقد وجدت المولدات التي تدار يدوياً تطبيقات جديدة في راديو ذي نابض يدار باليد "wind up radio"، وهو مستقبِل صغير للإذاعة بترانزستور يزوَّد بالطاقة من مولد يدار يدوياً بواسطة مقبض إدارة ومصابيح الجيب الصغيرة المستعملة في حالات الطوارئ. كما يوجد مولّد صغير يسمح بشحن مركم الهاتف المتنقل.
ومن بين التكنولوجيات الجديدة يمكن ذكر خلايا الوقود التي تولد الطاقة الكهربائية من الهيدروجين والأكسجين بل والمولدات التي تستعمل معالجات نووية. ويمكن توقع تيسر هذه الحلول للاستعمال للاتصالات في حالات الطوارئ خلال السنوات القليلة القادمة. وهي لا زالت في الوقت الراهن شديدة التعقيد بحيث تناسب النشر السريع في حالة الطوارئ.
4.4 استعمال تجهيزات الاتصالات في حالات الطوارئ
ينبغي أن تساعد الأسس التقنية المشروحة أعلاه في اختيار التجهيز الملائم. أما بالنسبة لمستعمل هذا التجهيز فقد تكون أهميتها محدودة. والواقع أن ما يهم المرء هو وجود اتصالات موثوقة.
من الضروري أن تكون احتياجات تجهيزات الاتصالات في حالات الطوارئ سهلة الاستعمال. وتجعل تجهيزات الاتصالات الشخصية المتنقلة أي شخص إلى أن يكون مستعملاً محتملاً. ولذلك فإن التدريب يُعتبر بمثابة أمر لا غنى عنه. ويتعلق ذلك بالجوانب التقنية أقل من تعلقه بالإجراءات التشغيلية: ولا يحتاج سائق المركبة مثلاً إلى معرفة الكثير من التفاصيل التقنية لسيارته، لكنه يحتاج إلى الإلمام بكيفية تشغيلها وبقواعد المرور. وتتطلب الآلات المتخصصة فحسب مشغلون مدربون تدريباً مهنياً، أما مهمة المحافظة على المركبة في حالة تشغيل جيدة فهي مهمة ميكانيكي مهني. ويجب تدريب مستعمل تجهيزات الاتصالات في حالات الطوارئ على تشغيلها وتزويده باللوائح التي تحكم الحركة على الشبكة. ولا تحتاج سوى التجهيزات الخاصة، مثل شبكات البيانات أو الشبكات الساتلية، إلى معارف مشغّل ماهر، أما مهمة صيانة التجهيزات والبنية التحتية للشبكة فهي مهمة تقع على عاتق اختصاصي اتصالات.
وترد أهم القواعد الخاصة بشبكات الاتصالات الصوتية في الملحق بهذا النموذج. [الملحق 4.4]
وقواعد المرور مفيدة إذا طبقها الجميع بالأسلوب نفسه. وتسمح التمارين العملية للمستعملين باكتساب الحركات الروتينية التي ستجعل الاتصالات أداة بالأحرى لا عبئاً، عندما يُطلب من المرء القيام بمهمة للاستجابة لحالة طوارئ أو كارثة.
ويمكن تحقيق الاستعمال الأسهل بجعل نظام الاتصالات لحالات الطوارئ يعمل بنفس طريقة استعمال أي تجهيز يعمل كل يوم. وتسمح أي شبكة بيانات تعمل بالموجات VHF وUHF وHF (موجات قصيرة)، تقوم على عتاد وبرمجية الإنترنت المعيارية، للمستعمل بتطبيق الإجراءات ذاتها التي يطبقها المرء الملم بكيفية النفاذ إلى الإنترنت من أي حاسوب شخصي في المنـزل أو في المكتب. [الشكل التوضيحي 4.4] [الشكل التوضيحي 5.4]
وسنتفحص في النموذج التالي، رقم 5، القوانين واللوائح المنظمة لجميع أشكال الاتصالات، وفيما يترتب عليها تطبيقها من نتائج في الحالات المختلفة. كما سنستعرض المواضيع المغطاة في النماذج السابقة، وسنحاول وضع بعض الخطوط التوجيهية للتطبيق العملي لما تعلمناه.